رائد الهاشمي
رئيس تحرير مجلة نور الإقتصادية
وسائل التعليم ووسائل الإيضاح تشهد تطوراً متسارعاً وبشكل يومي وفي جميع دول العالم وحتى المتأخرة منها, وحتى التي اُبتليت بالحروب العسكرية والصراعات السياسية مثل بلدنا فانه يلوحها قسط من هذا التطور إضافة للتطور التكنلوجي المتلاحق وخاصة في وسائل الاتصال والانترنت الذي جعل كل شيء متاح للجميع وجعل التواصل والتكيف مع التطور العلمي سهلاً ومتاحاً لمن أراد, والمفروض أن تكون هذه العوامل المتاحة سبباً في عكس نتائج إيجابية على المستوى الثقافي والعلمي لطلبتنا وأبنائنا في جميع المراحل الدراسية, لكن مع الأسف مانراه من مستوى متردي في العلم والثقافة العامة لديهم يصيبنا بخيبة أمل كبيرة وحسرة ويجعلنا نتسائل أين الخلل؟
صحيح أن الظروف الغير طبيعية التي يمر بها بلدنا من تردي في الجانب الأمني والإقتصادي والسياسي والاجتماعي لها تأثير كبير على أداء الطالب وعلى نفسيته ومستواه العلمي ولكن بنفس الوقت كما قلنا بأن هناك كم هائل من التطور العلمي المتاح للجميع وفي جميع المجالات وبالامكان توظيفه من قبل المعلم والطالب لرفع المستوى العلمي والثقافي.
كلنا نتذكر وسائل التعليم البدائية التي كان يستخدمها معلمونا في ايصال الدرس لنا وكيف نُقشت في ذاكرتنا ماحَيينا, ومنها أتذكر معلم اللغة الانكليزية في الصف الخامس الابتدائي الاستاذ كاظم التميمي رحمه الله كان يشرح لنا أحد الدروس المقررة وهو يخص بعض المفردات مثل(الخبز, الزبد, السكين, القطع, الأكل) وبعد شرحه للدرس لمدة يومين تفاجئنا باليوم الثالث وهو يجلب معه كيس من الصمون الحار وبعض قوالب الزبد وسكيناً وبدأ يشرح باللغة الانكليزية وهو يرفع كل مادة بيده عالياً ويذكر أسمها ونحن نردد معه بعدها بدأ بقطع الزبد و الصمون ووضع قطعة الزبد على قطعة الصمون ثم أكلها وهو يردد بصوت عالي هذه الأفعال وباللغة الانكليزية ونحن نردد معه, وبعدها طلب منا جميعاً ونحن بحدود خمسين طالباً أن نقوم الواحد تلوالآخر ونكرر مافعله بالضبط والترديد بصوت عالي ولكم أن تتخيلوا معي ماحدث وهل يمكن نسيان تفاصيل هذا الدرس الذي حدث في عام 1972؟
أتذكر تفاصيل هذا الدرس وجميع كلماته وصدى صوت استاذي الجهوري وفرحتنا بما كنا نعمل وكأنه حدث بالأمس واترحمّ على استاذي الحبيب الذي أحبّ عمله وطلابه وأخلص في عمله واستخدم شيئاً بسيطاً ومتاحاً وأنفق دراهم بسيطة من جيبه الخاص لكي يوصل الدرس لنا ويرسخه في أذهاننا فنجح وأبدع في عمله وكسب حبنا واحترامنا ووفائنا له.
ماأريد قوله من سرد هذه الحادثة البسيطة هو أن الخلل الحقيقي فينا فقد تغيرت النفوس وقلّ الإبداع الذاتي والمبادرة وانخفض مستوى الإخلاص في العمل فكانت النتيجة المستوى المؤلم الذي وصل اليه أبنائنا من قلة الثقافة العامة والنفور من العلم والتطور إلا في مايخص أجهزة الموبايل والحواسيب فهم يتابعون كل إصدارجديد ويعرفون كل شاردة وواردة فيها ويجيدون استخدامها بشكل كبير في كل شيء إلا في تطوير ثقافاتهم الشخصية والعامة.